في مجال المسرح و الشعر، و في المجال الأدبي عموما، معروف أن هناك أدبا يتم تطويع المواضيع و الأفكار له، و أدبا يتم تطويعه و استخدامه لعرض الأفكار و المواضيع من خلاله.
في المسرح مثلا، لدينا تجارب لتوفيق الحكيم و دكتور مصطفى محمود من مسرحيات هي فنيا قد تكون غير صالحة باعتراف أصحابها ذاتهم، لكنها على مستوى عرض الموضوع و الفكرة ناجحة طبعا. كذلك في الشعر، هناك أشعار يتم تطويع المواضيع و الأفكار لها، و هناك أشعار يتم تطويعها و استخدامها لعرض الأفكار و المواضيع و الأحداث، الشيء الذي يجعل الجانب الفني فيها مجورا عليه.
ديوان (دول العرب و عظماء الإسلام) لأمير الشعراء أحمد شوقي مثلا هو واحد من هذه الأدبيات التي جار صاحبها على الجانب الفني فيها، لصالح المواضيع و الأفكار التي طرحها من خلال أشعاره. و ليس ذاك لمشكلة ما أو نقص في حس الشاعر أو موهبته، و إنما ذاك لثقل و تعقيد وكثافة التجربة التي مر بها الشاعر و التي أبت عليه شعريا كفكرة مجملة، و هو أحوج ما يكون إلى التعبير عنها مجملا مما دفع به إلى ذلك الأسلوب، لا ابتذالا أو تهاونا، و لكن رغبة منه في أن يهتف بها جملة واحدة بشكل مباشر و صريح للتنفيس و لمشاركة الناس بها.
كذلك أعترف بأنني قد جرت على الجانب الفني في الجزء الأول من الكتاب (الأصوات) لصالح الموضوع و الحدث، و لكنه ليس جور لا يغتفر، فـ (الأصوات) هي أشعار غنائية على أي حال أي أن مباشرتها مغفورة! هي أيضا أشعار تُسمع لا تُقرأ، تُسمع مغناة :)، و هو ما دفعني لوسمها بـ (أصوات) منذ البداية.
عموما فـ (الصوت روح) هو كارت تعارف ما بيني و بين القراء ليس إلا، و لا أعده تجربة جدية في الكتابة على أية حال.
هدى عويس، الكاتبة مطربة موسيقى عربية في الأساس، قررت أن تستقل و تغني أغانيها الخاصة و أن تخرج من عباءة الغناء النمطي و الكلمات النمطية للغناء العربي عن الهيام و الهجران و اللوعة و ما إلى ذلك. و بعدما أرهقها البحث عن الكلمات المناسبة التي تستطيع من خلالها خدمة رسالتها و أفكارها و كل ما هي مؤمنة به، قررت أن توفر أجرة شاعر! و أن تقدم بصوتها بروحها لكل ذلك. لم لا؟ و هي تملك الموهبة اللازمة للقيام بذلك، فقد كان لها العديد من المحاولات الأدبية في سنوات نشأتها الأولى، انقطعت بعدها لفترة طويلة (جدا) عن الكتابة لأسباب قهرية، إلا أنها الآن تحاول نفض الغبار عن موهبتها تلك و تجديدها ما دامت الحاجة تدعو إلى ذلك.
لقد وفقت في تأليف أشعار الكتاب كلها في حوالي أسبوعين من أواخر أبريل و أول مايو 2014، عدا (يحيا الإرهاب) و (ضلع أعوج).
هي أيضا تؤمن بأن (الصوت روح)، و هذا ما عبرت عنه و حاولت إيصاله إلى القارئ من خلال صفحات الكتاب.
بداية استعانت الكاتبة برمزية (مأذنة المسجد) في صورة الغلاف للتعبير عن رسالتها الروحية و الفكرية. الكتاب يعرض لثنائية ضدية ما بين الحسي و الروحي (الصوت و الروح) و يطرحها من منظور جديد يجعل منها تكاملية بشكل ما، و ذلك من خلال مقدمة مبسطة في بداية الكتاب. بعدها تستخدم الكاتبة بعض الأشعار العامية و التي دورها في المقام الأول يحدد كـ (موديل) إن صح التعبير لتوضيح نظريتها أو للتدليل عليها. و إن كانت الأشعار هذه قيمتها و دورها لا يتعدى (كونها موديل) لطرح فكرة الكاتبة، إلا أنه يشفع لها في النهاية أنها كتبتهم بإخلاص حقيقي لهذه القضايا و (الأصوات) التي عرضت لهم من خلالها.
بعدها تقدم الكاتبة لـ (صوتها) كأي كاتب آخر! (فأي كاتب من وجهة نظرها يعرض صوته و وجهة نظره الذاتية من خلال كتاباته و دراساته و أشعاره، مهما ادعى الموضوعية). من خلال خواطر روحانية عن الوجود و الكون و الدين مشوبة ببعض الرؤى الفلسفية، تتحدى من خلالها النظرة المادية لتلك القضايا و التي استفحلت في مجتمعاتنا خلال الفترة الأخيرة. في الختام، بعض المحاولات الشعرية التي كتب أغلبها في ربيع 2014 و التي تستمر الكاتبة من خلالها في عرض (صوتها) و رؤاها الروحانية و الفلسفية و الحياتية أيضا و لكن بنظم شعري.
الكاتبة أشارت في البداية لـ (معجم) بالكلمات العامية المصرية في الكتاب، و بالنسبة لها كانت فكرة موفقة على المستوى الشخصي على الأقل لأنها تعتقد في قدرة اللغات السامية على الاستمرار و العربية هنا بالأخص لكونها لغة القرآن الكريم. فعلى المحور المكاني في الوقت الحاضر و على المحور الزماني مستقبلا لمواجهة تطويع اللغة لمقتضيات عصرها و ما يستتبع ذلك من اختلاف اللهجات على المستوى المكاني في نفس العصر أو على المستوى الزماني على نفس المكان، وجدت أهمية من هذا المنطلق لوضع معجم لترجمة اللغة العامية المصرية على أساس محور ثابت ألا و هو (اللغة العربية الأم). إذن فاستخدامها للعامية لم يكن دعوة، أو مشاركة منها في دعوة إلى استخدام العامية عوضا عن العربية الفصحى، و إنما تعاملا مع واقع.
إلا أنها لم توفق في المراجعة اللغوية و فشلت في تحقيق هدفها هذا بسبب استعجالها على تقديم نفسها للقراء ككاتبة و لقلقها من وصول خبر الكتاب للسلطات قبل تسجيله و توثيقه بدار الكتب، ما جعلها تغفل عن هذه النقطة المهمة، نقطة (مراجعة كتابها لغويا). و إن كانت تستغرب من انتقد عدم مراجعة (الأشعار العامية) في الكتاب (لغويا)! فإن كان من المفهوم ضرورة مراجعة العربية الفصحى لغويا، فمن غير المفهوم أو حتى المقبول ادعاء (نموذج) معين للعامية أو القول بأن لها قواعد لغوية و أصول!
عن تلك الجزئية خصوصا علقت الكاتبة بأن من عاب عليها بمثل هذا القول خصوصا، هو إما مدعي سفيه أو جاهل لا ريب! و عن استخدامها للغة العامية من أساسه فقد أرجعته لمحاولة منها لاجتذاب فئة معينة من الشباب يهمها أن تصل رسالتها إليهم لأنها الفئة الأكثر استهدافا من قبل المنظمات العلمانية و أصحاب المذاهب المادية. هي فئة يجتذبها هذا اللون من الأدب العامي على حد علمها سواء مقالة أو أشعار.
أيضا عن تأثرها بأسلوب الأستاذ و الدكتور (مصطفى محمود) رحمه الله فهي لم تنكره، بل على العكس فقد اعتبرت هذا التأثر الواضح بالأسلوب المنهجي و الأدبي لـ (أستاذها) على حد وصفها مدعاة لفخرها.
افتتاحية الكتاب: مأذنة المسجد كانت أهم وسيلة إعلام في مجتمعنا الإسلامي على مر العصور. لذا حينما قررت أن أخرج إلى النور أول كتبي (الصوت روح) و الذي عبرت فيه عن جزء مهم من رسالتي، تلك الكلمة التي خلقت من أجلها، أو خلقت لأكونها، لم أجد أفضل من مأذنة المسجد كوسيلة إعلام أدشن من عليها و أنادي بـ رسالتي تلك. و كان لي الشرف أن أعتلي في سبيل ذلك مأذنة الأزهر الشريف و التي تعد من أهم منابرنا على الإطلاق. و قد يسر الله لي الأمر بعد دعاء و تسليم، و ها أنا ذا، و ها هو كتابي اليوم بين أيديكم فـ بسم الله.